الاعتقال الاداري في القانون الدولي

8/6/2012

الاعتقال الاداري في القانون الدولي

المحامي شوقي العيسه 

مع أن دولة الاحتلال لا تأبه بالقانون الدولي، ولا تقيم له أي وزن ولا تحترم او تطبق نصوصه فيما يتعلق باحتلالها وجرائمها، الا انها كثيرا ما تستخدم التضليل والتحريف للقوانين والمعاهدات الدولية وخاصة في المحافل ووسائل الاعلام الغربية، وهذا ما فعله المتحدثون باسم دولة الاحتلال في اليومين الماضيين، في تعليقهم على تقرير اصدرته منظمة العفو الدولية (امنستي) حول سياسة ما تسميه اسرائيل الاعتقال الاداري، واذا كان مفهوما ان تقوم دولة عنصرية اجرامية بمحاولات حثيثة للدفاع عن نفسها من خلال التضليل، فإنه من غير المفهوم ومن المؤسف ما يلي:

1- ان يقوم العديد من الصحفيين العرب الكسالى في مختلف الدول العربية بترجمة ونقل ما نشرته الصحف الغربية عن تقرير منظمة امنستي بما في ذلك اقوال الاسرائيليين الرسميين التضليلية ، دون الطلب من احد من الطرف الاخر بالرد على الموقف الاسرائيلي وتفنيده .

2- في بعض الحالات التي نشرت فيها بعض وسائل الاعلام العربية مواقف ساسة فلسطينيين من التقرير او تعليقات عليه كان كلامهم عاما ومليئا بالشعارات ، واكتفى بمدح التقرير دون تفنيد اكاذيب وتحريفات الاحتلال الخبيثة . ولا اريد ان اجزم انه يستشف من كلام البعض عن التقرير انهم لم يطلعوا عليه .

3- يلاحظ بوضوح هذا الغياب غير المفهوم للجهات السياسية والدبلوماسية الفلسطينية والعربية عن الساحة الاعلامية الغربية ، وان وجد بشكل بسيط يكون دون مستوى التحدي ، خاصة واننا نواجه آلة المنظمة الصهيونية العالمية المتينة والقوية والذكية واتباعها.

4- ليس مطلوبا من قادة السياسة ان يكونوا خبراء في كل شيء وخاصة في القانون الدولي ، ولكن من واجبهم الوطني على الاقل الاطلاع على ما هو متوفر بكثرة ومنشور ومرسل لهم من قبل المؤسسات غير الحكومية الفلسطينية ، من تحليلات وتفنيد لكل اكاذيب الاحتلال التي يحاول من خلالها تحريف القانون الدولي للدفاع عن جرائمه ، وخاصة فيما يتعلق بالاعتقال الاداري .

وبالعودة الى تقرير امنستي الذي طالب سلطات الاحتلال بالتوقف الفوري عن استخدام الاعتقال الاداري ، واطلاق سراح كل المعتقلين الاداريين او محاكمتهم امام محاكم تنطبق عليها معايير المحاكمة العادلة حسب المعايير الدولية المعروفة .

جاءت ردود الاحتلال من خلال الناطقين باسمه بمجملها لتركز على ان القانون الدولي يسمح لهم بذلك ، وركزوا حديثهم على المادة 78 من معاهدة جنيف الرابعة ، اضافة الى الحديث الفارغ عن محاربة الارهاب وعن اعتقال اسرائيليين وليس فقط فلسطينيين اداريا .

من الممكن الاطلاع على التحليل المفصل المنشور قبل تقرير امنستي، على صفحة مؤسسة الضمير الفلسطينية والذي يفند ادعاءات الاحتلال ، ويوضح كيف تنتهك سياسة اسرائيل في الاعتقال الاداري القانون الدولي وخاصة معاهدات جنيف .

ولكن اريد هنا تلخيص بعض النقاط الاضافية التي توضح مدى زيف واستهتار الموقف الاسرائيلي بعقول الغرب وبالقانون الدولي .

1- تدعي اسرائيل ان المادة 78 من اتفاقية جنيف الرابعة تسمح لها بالاعتقال الاداري ، متناسية عمدا انها اصلا ترفض تطبيق هذه الاتفاقية على الاراضي المحتلة ، ووسائل الاعلام الغربية التي تنشر موقفهم هذا تتناسى وعمدا ايضا ان تذكرهم بانهم يرفضون تطبيق هذه الاتفاقية . وذلك رغم ان مجلس الامن والجمعية العمومية للامم المتحدة ، ومحكمة العدل الدولية وغيرها من المؤسسات الحقوقية الدولية والاقليمية اكدت في الكثير من قراراتها انه يجب على اسرائيل الالتزام بتطبيق هذه المعاهدة على الاراضي المحتلة . كما يجب التنويه هنا ان اسرائيل ينطبق عليها مصطلح الدولة المارقة كونها حققت الرقم القياسي عالميا في رفض تطبيق قرارات ملزمة لها من قبل مجلس الامن ، تزيد عن ثلاثين قرارا بما فيها قرارات تطالبها بتطبيق هذه الاتفاقية .

2- تعتمد اسرائيل في الاعتقال الاداري ، ليس على معاهدة جنيف المذكورة اعلاه ( كونها لا تعترف بانطباقها ) بل على قانون الطواريء الذي اصدره الانتداب (الاحتلال) البريطاني عام 1945 في فلسطين ، رغم ان بريطانيا الغت هذا القانون قبل انصرافها واستوفت كل اجراءات الالغاء باستثناء نشره في الجريدة الرسمية وذلك بسبب عدم صدور تلك الجريدة بسبب الحرب عام 1948 ولم يصدر أي عدد منها بعد الغاء ذلك القانون . وكذلك تعتمد في هذه الاعتقالات على الاوامر العسكرية التي يصدرها القائد العسكري الاسرائيلي في الاراضي المحتلة ، وقرارات وزير الدفاع فيما يتعلق بالقدس المحتلة.

3- تدعي اسرائيل انها تعتقل ايضا مواطنيها وليس فقط الفلسطينيين اعتقالا اداريا ، وهذا صحيح ولكن لنرى هذه المقارنة البسيطة : عدد المعتقلين اداريا من الفلسطينيين وصل في بعض الفترات الى الاف المعتقلين " في 5-11-1989 وصل الى 1794 " والان العدد يزيد عن 300 معتقل ، وكثير منهم كانت فترة الاعتقال التي مدتها ستة اشهر تمدد بشكل متتالي حتى وصلت الى سنوات وليس اشهر وفي بعض الحالات الى ثماني سنوات متتالية . بينما عدد الاسرائيليين ( المستوطنين الذين هم مجرموا حرب حسب المادة 49 من جنيف الرابعة ) الذين اعتقلوا اداريا لا يتجاوز عدد اصابع اليدين واطول فترة امضاها احدهم في الاعتقال كانت ثلاثة اشهر.

4- بالعودة الى المادة 78 من معاهدة جنيف الرابعة فقد جاء نصها كما يلي :

المــادة (78)

إذا رأت دولة الاحتلال لأسباب أمنية قهرية أن تتخذ تدابير أمنية إزاء أشخاص محميين، فلها على الأكثر أن تفرض عليهم إقامة إجبارية أو تعتقلهم.

تتخذ قرارات الإقامة الجبرية أو الاعتقال طبقاً لإجراءات قانونية تحددها دولة الاحتلال وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية. وتكفل هذه الإجراءات حق الأشخاص المعنيين في الاستئناف. ويبت بشأن هذا الاستئناف في أقرب وقت ممكن. وفي حالة تأييد القرارات، يعاد النظر فيها بصفة دورية، وإذا أمكن كل ستة شهور، بواسطة جهاز مختص تشكله الدولة المذكورة.

ينتفع الأشخاص المحميون الذين تفرض عليهم الإقامة الجبرية ويضطرون بسبب ذلك إلى ترك منازلهم، بأحكام المادة 39 من هذه الاتفاقية دون أي قيود.

لا يمكن النظر الى مادة معينة من الاتفاقية دون غيرها ، خاصة وان هذه المادة تورد في نصها " طبقاً لإجراءات قانونية تحددها دولة الاحتلال وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية."

أي ان احكام هذه الاتفاقية كلها ملزمة ، كما ان هذه المادة نصت ايضا

" ينتفع الأشخاص المحميون............... بأحكام المادة 39 من هذه الاتفاقية دون أي قيود. "

ونص المادة 39 طالب بمراعاة المادة 40 والمادة 30 ، كما ان المواد 41 و 42 و43 ايضا تتحدث نصوصها عن احكام ترتبط بنفس الموضوع وهذه نصوص المواد المذكورة :

المــادة (39)

توفر للأشخاص المحميين الذين يكونون قد فقدوا بسبب الحرب عملهم الذي يتكسبون منه، فرصة إيجاد عمل مكسب، ويتمتعون لهذا الغرض بنفس المزايا التي يتمتع بها رعايا الدولة التي يوجدون في أراضيها، مع مراعاة اعتبارات الأمن وأحكام المادة 40.

إذا فرض أحد أطراف الن زاع على شخص محمي تدابير مراقبة من شأنها أن تجعله غير قادر على إعالة نفسه، وبخاصة إذا كان هذا الشخص غير قادر لأسباب أمنية على إيجاد عمل مكسب بشروط معقولة، وجب على طرف النزاع المذكور أن يتكفل باحتياجاته واحتياجات الأشخاص الذين يعولهم.

وللأشخاص المحميين في جميع الحالات أن يتلقوا الإعانات من بلدان منشئهم، أو من الدولة الحامية، أو جمعيات الإغاثة المشار إليها في المادة 30.

المــادة (40)

لا يجوز إرغام الأشخاص المحميين على العمل إلا بكيفية مماثلة لما يتبع مع رعايا طرف النزاع الذين يوجدون في أراضيه.

لا يجوز إرغام الأشخاص المحميين، إذا كانوا من جنسية الخصم، إلا على الأعمال اللازمة عادة لتأمين تغذية البشر، وإيوائهم وملبسهم ونقلهم وصحتهم دون أن تكون لها علاقة مباشرة بسير العمليات الحربية.

في الحالات المذكورة في الفقرتين السابقتين، ينتفع الأشخاص المحميون الذين يرغمون على العمل بنفس شروط العمل وتدابير الحماية التي تكفل للعمال الوطنيين، وبخاصة فيما يتعلق بالراتب، وساعات العمل، والملبس وتجهيزات الوقاية، والتدريب السابق، والتعويض عن حوادث العمل والأمراض المهنية.

يسمح للأشخاص المحميين بمباشرة حقهم في الشكوى طبقاً للمادة 30 في حالة انتهاك التعليمات المذكورة أعلاه.

المــادة (41)

إذا رأت الدولة التي يوجد الأشخاص المحميون تحت سلطتها أن تدابير المراقبة الأخرى المذكورة في هذه الاتفاقية غير كافية، فإن أشد تدابير رقابة يجوز لها اللجوء إليها هو فرض الإقامة الجبرية أو الاعتقال وفقاً لأحكام المادتين 42 و43.

عند تطبيق أحكام الفقرة الثانية من المادة 39 على الأشخاص الذين اضطروا إلى ترك محال إقامتهم العادية بموجب قرار يفرض عليهم الإقامة الجبرية في مكان آخر، تسترشد الدولة الحاجزة بأكبر دقة ممكنة بالقواعد المتعلقة بمعاملة المعتقلين، المبينة في القسم الرابع من الباب الثالث في هذه الاتفاقية.

المــادة (42)

لا يجوز الأمر باعتقال الأشخاص المحميين أو فرض الإقامة الجبرية عليهم إلا إذا اقتضى ذلك بصورة مطلقة أمن الدولة التي يوجد الأشخاص المحميون تحت سلطتها .

إذا طلب أي شخص اعتقاله بمحض إرادته عن طريق ممثلي الدولة الحامية وكان وضعه الخاص يستدعي ذلك، فإنه يعتقل بواسطة الدولة التي يوجد تحت سلطتها.

المــادة (43)

أي شخص محمي يعتقل أو تفرض عليه إقامة جبرية له الحق في إعادة النظر في القرار المتخذ بشأنه في أقرب وقت بواسطة محكمة أو لجنة إدارية مختصة تنشئها الدولة الحاجزة لهذا الغرض. فإذا استمر الاعتقال أو الإقامة الجبرية، وجب على المحكمة أو اللجنة الإدارية بحث حالة هذا الشخص بصفة دورية، وبواقع مرتين على الأقل في السنة، بهدف تعديل القرار لمصلحته إذا كانت الظروف تسمح بذلك.

ما لم يعترض على ذلك الأشخاص المحميون المعنيون، تقدم الدولة الحاجزة بأسرع ما يمكن إلى الدولة الحامية أسماء الأشخاص المحميين الذين اعتقلوا أو فرضت عليهم الإقامة الجبرية وأسماء الذين أفرج عنهم من الاعتقال أو الإقامة الجبرية. ورهناً بالشرط نفسه، تبلغ أيضاً قرارات المحاكم أو اللجان المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة بأسرع ما يمكن إلى الدولة الحامية.

بقراءة كل هذه النصوص نجد انها لا تسمح للاحتلال باعتقال الفلسطينيين اداريا بالشكل الذي تقوم به سلطات الاحتلال ، فهي تتحدث عن حالات استثنائية محكومة بضوابط كثيرة ، وتضع الاقامة الجبرية كخيار اول ، ثم تلزم بالمراجعة القضائية بهدف تعديل القرار لمصلحة المعتقل ، وحين تنص على قيام المحكمة بالبحث، فان الاتفاقية تتحدث عن محكمة حقيقية عادلة ، فحين تنص المادة 78 على:

"تتخذ قرارات الإقامة الجبرية أو الاعتقال طبقاً لإجراءات قانونية تحددها دولة الاحتلال وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية."

فان احكام هذه الاتفاقية تعتبر المستوطن مجرم حرب وفقا للمادة 49 منها ، وبالتالي لا يمكن اعتبار محكمة عسكرية اسرائيلية يكون القاضي وباقي اركان المحكمة فيها مجرموا حرب (مستوطنين) وفقا لنفس الاتفاقية ، لا يمكن اعتبارها اجراءات قضائية عادلة كالتي تطالب بها هذه الاتفاقية.

كما ان متطلبات المحاكم العادلة تفرض بالحد الادنى ابلاغ المتهم بتفاصيل التهمة والادلة المقدمة ضده والسماح له ولمحاميه بمناقشتها امام المحكمة ، وهذا ما لا يحدث نهائيا حيث اخترعت اسرائيل ما اسمته الملف السري ضد المتهم والذي يمنع المتهم او محاميه من الاطلاع عليه بل ان القاضي نفسه في معظم الحالات لا يناقش هذا الملف السري مع الجهة التي قدمته وهي دائما جهاز المخابرات الشاباك.

كما ان هذه النصوص لا تسمح باي حال من الاحوال باعتقال شخص اداريا مباشرة عند انتهاء وانقضاء فترة حكم قضاها في المعتقل بقرار قضائي بعض النظر عن مدى عدالة المحكمة التي حكمت عليه ابتداء.

وبالعودة لنفس النصوص المذكورة اعلاه نجد انها تلزم الاحتلال حين يقوم بهكذا اجراءات استثنائية مؤقتة بحق مواطن ان تؤمن له وللاشخاص الذين يعولهم دخلا يكفي متطلبات الحياة ، وهذا ما لم تقم به اسرائيل نهائيا.

اذن كل ما تقوم به دولة الاحتلال من اجراءات فيما يتعلق باعتقال المواطنين الفلسطينيين اداريا لا يمت بصلة لنصوص اتفاقية جنيف الرابعة في أي مادة من موادها.

5- ان نصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 تحرم الاعتقال الاداري وتطالب بمحاكمة عادلة لكل انسان ولا تجيز ادانته او اعتقاله بدون ذلك وهذه بعض من نصوص الاعلان :

المادة 10.

لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه.

المادة 11.

( 1 )  كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه.

(2) لا يدان أي شخص من جراء أداة عمل أو الامتناع عن أداة عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب، كذلك لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة.

6- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينص على انه لا يجوز القبض على احد او اعتقاله تعسفا ، ولا يجوز حرمان احد من حريته الا لاسباب ينص عليها القانون وطبقا للاجراء المقرر فيه.

ان سياسة الاحتلال في الاعتقال الاداري هي سياسة منهجية وتشكل جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية الصهيونية الهادفة الى تهجير الفلسطينيين من وطنهم حيث كثيرا ما تعرض على المعتقلين الابعاد عن الوطن كبديل عن الاعتقال.

Add new comment