عام من الجرائم والمقاومة

27/9/2001

 

شوقي العيسه

 

يعتبر أي احتلال كولونيالي جريمة ضد الانسانية وذو طبيعة  عنصرية، وقد عرف التاريخ الكثير من عمليات الاحتلال التي ارتكبت جرائم فظيعة ومتنوعة وخاصة أثناء وبعد الحربين العالميتين، ولا تزال العديد من دول جنوب الكرة الارضية تعاني حتى الآن من اثار الكولونيالية التي دمرت ثرواتها ونهبتها، وعمقت الجهل والتخلف والفقر، اضافة إلى قيامها بتنصيب العديد من الحكام الدكتاتوريين التي استمروا في خدمة الكولونيالية بعد انتهائها عسكرياً مما ابقى الهيمنة الاقتصادية والسياسية.

فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي فهناك خصوصيات تميزه عن غيره من انواع الاحتلال الكولونيالي، حيث تم تأسيس دولة لم يكن لها وجود لتحل محل الاحتلال البريطاني لفلسطين وتم استقدام (استيراد) شعب لهذه الدولة ليحل محل الشعب الفلسطيني الذي تم طرده بالقوة ومن خلال العديد من المجازر من ارض وطنه وتحويله إلى لاجئين.

وبالتالي هو ليس مجرد احتلال عسكري ومجموعات من المستوطنين تعود إلى بلدها مع انتهاء الاحتلال، بل انه كان مخطط اوروبي امريكي لاحكام ومواصلة السيطرة على منطقة الشرق الاوسط من جهة والتخلص من قضية اليهود من جهة أخرى وخاصة بعد جريمة (الهولوكوست) التي ارتكبها اوروبيون وكانت ستشكل معضلة معقدة لاوروبا وامريكا لو لم يتم التخفيف منها من خلال اقامة دولة إسرائيل.

وهذا بحد ذاته كان جريمة ضد الشعب الفلسطيني بمنعه من ممارسة حقه في تقرير المصير واقامة دولة مستقلة.

خلال ذلك كله استخدمت اوروبا وامريكا هيمنتها على الامم المتحدة وتبعية الانظمة الحاكمة في الشرق الاوسط لها، ومنعت قيام دولة فلسطين للعرب واليهود في فلسطين وقسمت فلسطين وسمحت لإسرائيل باحتلال اجزاء من القسم الفلسطيني ومنعت بالاشتراك من انظمة محلية قيام دولة في المتبقي من الجزء الفلسطيني.

اما الحركة الصهيونية التي كانت تطمح لدولة يهودية (نقية) فلم تستطع تحقيق هذا الهدف بسبب بقاء الكثير من الفلسطينيين في وطنهم رغم المجازر وكل محاولات الابادة والتطهير العرقي. ولذلك فان إسرائيل منذ ما قبل نشوئها وحتى الآن مستمرة في العمل لتحقيق هذا الهدف وهو طرد الفلسطينيين والوصول إلى دولة يهودية (نقية).

ولذلك قامت في عام 1967م باحتلال باقي اجزاء فلسطين وباشرت فوراً باصدار قوانين عسكرية وقامت باجراءات ضمن خطة استراتيجية للوصول إلى هدف تفريغ الأراضي الفلسطينية من اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، ورفضت ضمن ذلك تطبيق معاهدة جنيف الرابعة وغيرها من القوانين الدولية رغم صدور قرارات واضحة بذلك من الامم المتحدة، ومن انواع الممارسات التي استخدمتها إسرائيل ضمن هذه السياسة

-  وقف كل اجراءات تسجيل ملكية الأراضي تمهيداً لمصادرتها وبناء مستوطنات لليهود عليها.

  • السيطرة على كافة مصادر المياه.
  • اصدار اوامر عسكرية تحدد حركة الفلسطينيين من والى الأراضي المحتلة

وغيرها من الاجراءات التي ادت بمجملها إلى تهجير اعداد كبيرة من الفلسطينيين والى اقامة الكثير من المستوطنات والى حرمان الفلسطينيين من استخدام مساحات شاسعة من الأراضي.

وكانت إسرائيل تعرف تماماً انها ستضطر إلى ايجاد حل للأراضي التي احتلتها عام 1967 وقامت بهذه الاجراءات لعرقلة أي حل ولابقاء سيطرتها إلى اقصى درجة ممكنة، وهذا ما نراه يحصل اليوم في المفاوضات.

 

في المقابل استمر الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال بكل اشكال المقاومة، وصولاً إلى الانتفاضة الأولى في عام 1987 والتي اربكت جميع الاطراف وخاصة الإسرائيليين واثبتت بما لا يدع مجالاً للشك ان الشعب الفلسطيني لم يسلم بالوضع الذي هو فيه وانه مصر على التخلص من الاحتلال والحصول على الاستقلال واستطاعت الانتفاضة بشكلها السلمي وذكاء برنامجها وطبيعة نشاطاتها استقطاب رأي عام عالمي مؤيد للشعب الفلسطيني ومحرج لإسرائيل وللولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تدعم إسرائيل ولم يكن امامهم سوى اختيار شكل اخر غير القمع والقتل لانهاء الانتفاضة، ولذلك ولاسباب أخرى، بدأت المفاوضات التي ادت إلى اعلان اوسلو وما تلاه من اتفاقيات وترتيبات.

 

الانتفاضة الحالية:ـ

اسبابها:ـ

لا شك ان زيارة مجرم الحرب ارئيل شارون إلى الحرم في القدس كانت الشرارة الأولى، وقيام الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي بارتكاب مجزرة في داخل الحرم كانت شرارة ثانية لعبت دوراً اكبر من الشرارة الأولى، ولكن الأسباب الحقيقة للانتفاضة، كانت اعمق من ذلك بكثير، فقد كان هناك مخزون غضب هائل فلسطيني تراكم منذ بدأ المفاوضات بسبب الاجراءات القمعية الإسرائيلية خلال سنوات المفاوضات والتي ادت إلى اوضاع معيشية للفلسطينيين اسوء مما كانت عليه قبل المفاوضات بل ان اوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة اصبحت اسوء مما كانت عليه أثناء الانتفاضة الأولى رغم كل القمع الذي حصل خلالها، اضافة إلى ان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة (عمل وليكود) خلال سنوات المفاوضات اثبتت بشكل جلي انها لا تريد سلام عادل وحقيقي وترفض اعطاء الفلسطينيين حتى الحد الادنى من حقوقهم. من جانب اخر كان الشعب الفلسطيني يرى بوضوح الدعم الكامل الامريكي لهذا الموقف الإسرائيلي والدعم غير المباشر (واحياناً مباشر) الاوروبي من خلال ما يسمى الآن مؤامرة الصمت الاوروبي، ناهيك عن موقف العجز العربي الرسمي.

كل ذلك كان يدفع الفلسطينيين اكثر واكثر إلى الزاوية ويجردهم من كل دعم للحصول على حقوقهم المشروعة وتتوج كل ما ذكر بنتائج قمة كامب ديفيد بين عرفات وباراك برعاية امريكية، حيث حاول خلالها الامريكيون والإسرائيليون اجبار الفلسطينيين بقبول ما هو اقل بكثير جداً من حقوقهم بحدها الادنى، وخرجت الادارة الامريكية بعد فشل هذه المحاولات لتحمل الفلسطينيين المسؤولية عن ذلك وبدأت حملة اعلامية مضللة في عملية (غسل دماغ) للرأي العام العالمي استخدمت خلالها اكاذيب حول تنازلات إسرائيلية سخية قدمها باراك ورفضها الفلسطينيون، وحقيقة الامر ان ما قدمه باراك هو نسبة من أراضى الضفة الغربية بدون القدس مع بقاء العديد من المستوطنات وضمها إلى إسرائيل، وبشكل عام ما طرحه باراك يبقي ما سيسمى بالدولة الفلسطينية تحت سيطرة إسرائيل واحتلالها ولكن بشكل جديد.

 

بداية الانتفاضة:ـ

من المؤكد ان الانتفاضة مثلها مثل الانتفاضة الأولى في العام 1987 بدأت لضرورة موضوعية بدون تخطيط مسبق وبدون قيادة، ولانها تهم مصير كل فلسطيني فقد كانت المشاركة الشعبية فيها هائلة، فاقت كل التوقعات بما في ذلك مستوى التضحية في المواجهات مع الجنود الإسرائيليين من مختلف القطاعات والاعمار.

وجاءت مشاركة الفلسطينيين في داخل اسرائيل بالشكل القوي الذي قاموا فيه لتربك اسرائيل اكثر واكثر ،

كما شكلت حالة التضامن الكبير من الشعوب العربية مع الشعب الفلسطيني حالة رعب امريكي على مصالح امريكا في المنطقة .

الرد الإسرائيلي كان اجرامياً وقاسياً إلى ابعد الحدود واتسم باطلاق النار دون  أي محددات وبشكل عشوائي مما أدى إلى خسائر كبيرة في الارواح وخاصة بين صغار السن، وكذلك اصابات بين الصحفيين المحليين والاجانب، وهذه المرة كانت سياسة الاغلاق والحصار ومنع الحركة والتنقل اكثر من أي وقت سابق، بل ان فاشية الحكومة الإسرائيلية تمثلت في سحب الجنود من الحواجز واستبدالهم بحفر الخنادق أو انشاء جدار من الصخور والتراب بالجرافات مما ازال أي جانب انساني من التعامل مع المرضى والمسنين أو ايه حالات كان من الممكن قيام بعض الجنود بالسماح لها بالمرور إلى المستشفيات، مما اضاف نوعاً من جديداً من الضحايا، وزاد عدد حالات الولادة على هذه الحواجز أثناء محاولات  الوصول إلى المستشفى.

امام كل هذه الجرائم كان هناك فشل ذريع للحكومات العربية في القيام باي دور فاعل ضد الاحتلال الإسرائيلي، وصمت اوروبي، ودعم امريكي وتغييب لدور الامم المتحدة، والالتفاف على قرارها بتشكيل لجنة تحقيق دولية واستبدالها بلجنة تقودها امريكا (لجنة ميتشل)، ورفض قاطع لارسال قوات مراقبة دولية.

ونتيجة لذلك تشجعت إسرائيل واعتبرت ذلك ضوءاً اخضراً للاستمرار والتصعيد في جرائمها، وكان احد اشكال ذلك الاكثر بروزاً انتخاب مجرم حرب شارون رئيساً للوزارة.

وكون شارون لا يملك برنامج سياسي ولا يؤمن بانهاء الاحتلال وكل ما لديه هو مزيد من البطش والقمع والجرائم، وجاءت مشاركة بيرس (وهو الشخصية الاخطر في إسرائيل على الفلسطينيين) في حكومة شارون لتضفي عليها شرعية وتحميها من الضغط الدولي، في محاولة من بيرس لفرض الحل الذي اراده دائماً وهو ما طرحه باراك في كامب ديفيد أو اقل منه، ليزيد من يأس الفلسطينيين وشعورهم بانهم وحيدون في مواجهة كل الحكومات، الامريكية من خلال دعمها الكامل وبالتالي مشاركتها إسرائيل في جرائمها، والاوروبية بمشاركتها غير المباشرة لإسرائيل من خلال صمتها، والعربية بعجزها ورضوخها لامريكا.

وهنا تحول الفلسطينيون من التركيز على العمل الجماهيري والمظاهرات الشعبية إلى ازدياد العمل المسلح ومهاجمة المستوطنين وكذلك بدأت حملة من العمليات الانتحارية، والقيام بكل ما من شأنه ايصال رسالة واضحة للإسرائيليين بان سياسة شارون لن تأتي لهم بالأمن ولن تحميهم، وان انهاء الاحتلال وحصول الفلسطينيين على حقوقهم هو الحل الوحيد، وفي اعتقادي ان هذا كان نوعاً من رد الفعل على موقف الإسرائيليين الذي تمثل في الرسالة الواضحة التي بعثوا بها للفلسطينيين من خلال انتخابهم لشارون أي القمع والقتل والحصار ورفض المفاوضات وانهاء العملية السلمية ورفض تقرير ميتشل، اضافة إلى انها رسالة واضحة للمستوطنين بان حياتهم في الأراضي المحتلة لن تكون آمنة أبداً .

 

أشكال الخروقات والجرائم الإسرائيلية خلال العام:ـ

1.    القتل بشكل متعمد:ـ

عمدت قوات الاحتلال إلى اطلاق النار على المتظاهرين بشكل عشوائي وبهدف القتل ومن مسافات قصيرة وهذا تثبته الاحصائيات والكيفية التي استشهد فيها العديد من المواطنين في الثلاثة اشهر الاولى التي تميزت بالمظاهرات الشعبية ، ففي الثلاثة اشهر الأولى من الانتفاضة استشهد (309) وجرح (10603) في حين ان جميع من استشهدوا حتى الآن بلغ  (575) شهيد و (15553) جريح.

   انظر الملحق رقم (1)

 

2.    استهداف الصحفيين:ـ

شكلت وسائل الاعلام قلقا كبيراً للإسرائيليين من خلال تغطيتها لما يجري فقاموا وبشكل متعمد باطلاق النار على الصحفيين وكانت تلك رسالة واضحة لهم لثنيهم عن مواصلة عملهم اضافة إلى حالات كثيرة منع فيها الصحفيون من الوصول إلى مناطق الاحداث أو صودرت أو دمرت اجهزتهم.

انظر الملحق رقم (2)

 

3.    تدمير البيوت والممتلكات:ـ

سياسة هدم البيوت ليست جديدة فهي جزء من مخطط التطهير العرقي والمحاولات المستمرة لتفريغ الأراضي المحتلة من سكانها الفلسطينيين ( ملحق رقم 3 ) وخلال هذه الانتفاضة كثفت إسرائيل من هذه الاعمال واستخدمت اشكال جديدة لم يسبق لها ان استخدمتها مثل القصف للأحياء السكنية بطائرات الـ F16 و F15 و الاباتشي، وتم التركيز على هدم البيوت في المناطق الحدودية والمتاخمة للمستوطنات.

الملحق رقم (4)

 

4.    الاغلاق والحصار:ـ

 

اقصى وابشع اشكال جريمة العقاب الجماعي هي ما تقوم به حكومة اسرائيل بعزل كامل للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية عن بعضها البعض مما يؤثر بشكل كبير على كل مجالات الحياة في الاراضي الفلسطينية وخاصة الاقتصاد والبنية التحتية اضافة الى الحياة الاجتماعية وعمل مؤسسات السلطة الوطنية مثل الجهاز القضائي وقطاع الخدمات

ملحق رقم (5+6)

ملحق رقم (5) اغلاق المعابر والحدود

ملحق رقم (6) اغلاق المناطق السكانية

 

5.    استهداف الطواقم الطبية وسيارات الاسعاف:ـ

كما لم تنج سيارات الاسعاف والطواقم الطبية من اعتداءات الاسرائيليين مما يعرقل تقديم الاسعاف الاولي لضحايا الارهاب الاسرائيلي ويعرقل وصولهم للمستشفيات

ملحق رقم (7) + ملحق رقم (8)

 

6.    احتلال مناطق (أ):ـ

وفي فترة حكم ارئيل شارون بدأ استخدام شكل جديد وهو دخول الجيش الاسرائيلي الى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية المصنفة (أ) وتدمير المقرات والبنايات وكذلك هدم مناطق سكانية محاذية للحدود او للمستوطنات وخلال ذلك يستشهد العديد من العسكريين والمدنيين . 

7.    ألموت على الحواجز:ـ

يبين الملحق رقم 9 حالات الوفاة على الحواجز نتيجة لعدم السماح للمرضى والحالات الطارئة الوصول للمستشفيات في جريمة نكراء لم يسبق لها مثيل 

ملحق رقم (9)

8. حالات ولادة على الحواجز:ـ

وهذه ايضا جريمة لم يعرفها التاريخ حيث يمنع الاسرائيليون النساء اللواتي على وشك الولادة من اجتياز الحواجز العسكرية للوصول الى اقرب مستشفى للولادة مما ادى الى العديد من حالات الولادة في الشارع على الحواجز امام اعين الجنود الاسرائيليين

ملحق رقم (10)

 

9.اعتداءات مستوطنين ادت للوفاة:ـ

واستخدمت اسرائيل بشكل غير معلن مستوطنيها للقيام بمهام قذرة وهي الاعتداء على المدنيين الفلسطينيين وقتل بعضهم

ملحق رقم (11)

 

10.الاغتيالات:ـ

اسرائيل امام هذا الصمت العالمي والدعم الامريكي لم يضيرها الاعلان رسميا عن تبنيها جرائم الاغتيال السياسي باستخدام اي شكل كان من الطائرات والدبابات والاسلحة الثقيلة والعبوات الناسفة والقنابل الموقوتة

ملحق رقم (12) يبين اسماء ضحايا الاغتيال بدون اسماء الاشخاص الذين استشهدوا لوجودهم صدفة في مكان الجريمة.

 

 

امام هذه الحقائق عملت مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية والعربية والدولية على جمع المعلومات ونشرها وتحليلها على ارضية القوانين الدولية ومباديء حقوق الانسان وتسمية جرائم اسرائيل بمسمياتها الحقيقية ، ولكنها كانت تصطدم في كل المحافل الدولية بازدواجية المعايير والصفقات السياسية ووضع اسرائيل فوق القانون والمحاسبة ، ولا تزال اسرائيل تواصل احتلالها وجرائمها ، ولا يزال الشعب الفلسطيني يقدم الضحايا كل يوم .

ولكن الحقيقة الوحيدة التي تبقى قائمة كل الوقت هي ان السلام والامن لن يحل في الشرق الاوسط بدون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه التي نصت عليها قرارات الامم المتحدة والقوانين الدولية ، وان كل من يدعم اسرائيل الآن يعمل بشكل مقصود او غير مقصود ليس فقط ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وانما يعمل ايضا ضد امن يهود اسرائيل لان سياسة حكومة اسرائيل هذه لا تجلب لهم الامن بل العكس .

وان الموقف الصحيح هو ما ورد في قرارات منتدى المنظمات غير الحكومية في دربان في جنوب افريقيا .

نشرت في الاهرام الانجليزية في 27-9-2001

Add new comment