محاور للنقاش والبحث والتوسع في دراستها لنفهم اين نحن.
شوقي العيسة
الامبريالية والشرق الاوسط
النظام العالمي الامبريالي هو الاكثر تعقيدا وذكاء ووحشية في التاريخ.
منذ تبلور النظام الاقتصادي الاجتماعي السياسي الرأسمالي الامبريالي وهو يتسلح بديناميكية غير مسبوقة تؤهله للتطور المستمر وتحقق له القدرة على التجاوب والتأقلم المستمر مع كل المستجدات.
منذ بداية القرن العشرين حقق هذا النظام قفزات كبيرة في تطوره وحقق نجاحات مبهرة.
يبدو ان الدولة العميقة التي تدير النظام الامبريالي فهمت بعمق قانون الديالكتيك، وحدة وصراع الاضداد، واستخدمته بذكاء وخبث في مجمل مخططاتها الاستراتيجية بعيدة المدى.
هدف الامبريالية هو مواصلة الهيمنة على النظام العالمي
لتحقيق ذلك ولضمان استمراريته كان عليهم الاقتناع بأن هناك طبيعة فردية وجمعية للمجتمعات البشرية تنقسم الى نوعين، نوع لا يمكن تغييره ونوع يمكن تغييره، وعليهم خلق نظام عالمي يستطيع مواصلة الهيمنة على هذا الاساس.
كان عليهم القيام بتطوير مستمر لعلم الاجتماع وعلم النفس لكي يستطيعوا بناء على ذلك تطوير علم السياسة والاقتصاد الامبريالي.
كيف تبقي كل شيء تحت هيمنة النظام
الدولة العميقة للامبريالية حولت العالم الى ميدان يشبه الى حد بعيد جدا ميدان سباق الخيل.
في ميدان سباق الخيل تتسابق احصنة من مختلف الانواع ومن مختلف الدول في مسابقات متنوعة واصحابها والمراهنين عليها ايضا من مختلف الدول والخلفيات الثقافية والعرقية، ولكن كلهم يقومون بذلك ضمن نظام وقواعد على الجميع الالتزام بها حيث على كل الاحصنة الركض في نفس المسار ولنفس المسافة والقيام بنفس الحركات وعلى اصحابها وكل من له علاقة بالسباق الالتزام بنفس القواعد. البعض يفوز والبعض يخسر ويستمرون في المسابقات.
هكذا هو نظام الهيمنة الامبريالي. جعل الجميع يلعب تحت مظلته وضمن قواعده. فلا يهم اذا انتصرت شركة احتكارية رأسمالية على اخرى احتكارية رأسمالية او دولة رأسمالية على دولة رأسمالية اخرى ما دام المنتصر من نفس النظام والمنافسة صفة دائمة.
العدو الحقيقي للدولة العميقة الامبريالية هو من يريد الانتصار على نظامهم واستبداله بنظام اخر في العالم.
خلال الحرب العالمية عندما وقعت فرنسا تحت الاحتلال الالماني يعتقد المرء انها ستسارع الى اعادة كل قواتها في المستعمرات الفرنسية في افريقيا للدفاع عن فرنسا لكنها لم تفعل. فالحفاظ على مستعمرات تحت سيطرة النظام الرأسمالي الامبريالي العالمي اهم من نزاع بين دوليتين داخل نفس النظام سيحل بطريقة او باخرى ضمن نفس النظام. وبعد انتهاء الحرب احتضنوا المانيا الغربية التي حاربوها بالامس واجتمعوا جميعا ضد الاتحاد السوفييتي الذي حاربها معهم لان لديه مشروع بديل لنظامهم الرأسمالي العالمي.
استمر الصراع بين النظام الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الدكتاتوري الاشتراكي (المشوه) السوفياتي طوال القرن العشرين تقريبا وانتهى بانهيار الاتحاد السوفياتي.
الامبريالية
لديها القوة العسكرية
والقوة الاقتصادية
ووسائل الاعلام والترفيه
والتكنولوجيا
والاليات لادارة العلاقات الدولية مثل القانون الدولي وادواته مثل الامم المتحدة والمحاكم الدولية والمؤسسات الدولية والاقليمية
ولديهم مراكز الدراسات والابحاث العلمية والتخطيط.
يستخدمون كل ذلك لادارة ليس فقط ادواتهم واتباعهم بل ومناوئيهم ايضا.
اثبت العلم ان القيادة الجماعية دائما اقدر على تحقيق اهدافها من القيادة الفردية.
في العصر الحديث والمعاصر الدول الرأسمالية القوية تقودها قيادة جماعية والدول الضعيفة يقودها فرد.
ولكن هناك حقيقة لا يمكن تجاوزها وهي ان الجماعات البشرية بطبيعتها تحتاج الى رمز، بطل، شجاع، قدوة.
في مجتمعاتهم في دولهم الرأسمالية القوية اعطوا المواطنين رمزا بطلا شجاعا في ميادين الرياضة والسينما وفي مختلف الميادين ولكن ليس في قيادة الدولة.
وفي المجتمعات الاخرى التي يريدون مواصلة الهيمنة عليها عززوا الرمز البطل السياسي والعسكري الرئيس الملك القائد ….. الخ.
ابدعوا في استخدام وسائل الاعلام والسينما والتلفزيون للتحكم في اهتمامات الناس وتسييرهم في الاتجاه الذي يريدون بل وقامت اجهزتهم بانشاء وتمويل وسائل اعلام مناوئة لهم. لانهم يعرفون ان الطبيعة البشرية دائما توجِد معارضة في كل ميدان وعليهم احتوائها.
وعليهم الهاء الناس باهتمامات بعيدة عن المشكلة الرئيسية التي يسببها نظامهم.
مثال على قدرتهم في عمليات مسح الدماغ ، بعد كل الجرائم التي ارتكبوها في اسيا وافريقيا انتجت هوليوود سلسلة افلام رامبو ومثيلاتها جعلت حتى المواطن في الدول التي كانت ضحية جرائمهم يعتبر رامبو البطل الشجاع ويتشبه به. مع انه يقتل ابناء شعبهم.
لكن حركة التاريخ لا تتوقف والامبراطوريات تزدهر وتنهار. وهم يعرفون ذلك واستطاعوا حتى الان مواصلة نظامهم واطالة عمره بذكائهم وديناميكيتهم وتخطيطهم طويل الامد.
امريكا التي تقودهم عندما تخطط استراتيجيا (كما كتبت في مقال سابق) تأخذ بعين الاعتبار انها اول امبراطورية تتحكم في العالم من خارج قارات العالم القديم، من وراء المحيط، لذلك عليها ابقاء اوروبا ضعيفة والباقي كذلك.
ولكن ايضا العالم المعاصر لا يتحمل هيمنة امبراطورية واحدة عليه.
في هذه المرحلة التاريخية التي نعيشها تجري تحولات كبيرة ومتسارعة لانهاء تفرد الامبراطورية الواحدة في التحكم في العالم.
الدولة العميقة للنظام الامبريالي تعرف ان لا مفر من ذلك وتعرف ان عليها قبول وجود اكثر من امبراطورية خاصة وان الدول المتصارعة الان كلها فيها انظمة اقتصادية رأسمالية تحتكم لنظام السوق والعلاقات الاقتصادية الرأسمالية (الصين وروسيا واوروبا اضافة لامريكا).
الصراع الان على تقاسم العالم بين الدول الراسمالية الغربية والدول الراسمالية الشرقية.
الشرق الاوسط في النظام العالمي
ارضية ملعب ومفعول به
الشرق الاوسط منطقة هامة جدا للنظام العالمي الامبريالي (وخاصة الغربي). بسبب موقعه الجغرافي على خارطة العالم ومساحته الكبيرة والثروات والمواد الخام وكسوق استهلاكي وايدي عاملة رخيصة.
وهي هامة ايضا في المنظور الاستراتيجي تخوفا من ان تتوحد وتصبح قوة فاعلة في السياسة الدولية، بمساحتها الكبيرة وعدد سكانها وخيراتها.
الدول الراسمالية الغربية بقيادة امريكا تعتبر ان مواصلة هيمنتها على النظام العالمي او على حصتها الاكبر في الهيمنة تتطلب سيطرتها الكاملة على منطقة الشرق الاوسط.
خلقوا اسرائيل كدولة استعمار اوروبي امريكي في خاصرة الشرق الاوسط. وفرضوا قبولها على كل الدول فلم يعد احد ينظر اليها كاستعمار يجب زواله بل يبحثون عن حلول وسط تبقيها.
وقسموا العالم العربي الى دويلات ضعيفة محكومة بافراد دكتاتوريين.
الغرب يعتبر ان اداتهم الثابتة في المنطقة هي اسرائيل لانها ليست دولة طبيعية ولا تستطيع الاستمرار في الوجود بدونهم واذا خرجت من بحرهم تموت. لذلك عليهم حمايتها وتقويتها دائما كقاعدة عسكرية لهم.
بينما الدول الاخرى في المنطقة يمكن ان تتغير فيها الانظمة والولاء، كما حصل في مصر (من عبد الناصر الى السادات) وايران (من الشاه الى الخميني) وغيرها.
هناك تخوف دائم من تغيير الانظمة في الدول العربية خاصة وان الشعوب ناقمة على حكامها.
الدول الغربية تعرف ذلك وتعرف ان عليها دائما ان تستبق التغيير وتتحكم في نتائجه.
حرصت الدول الغربية على ابقاء الدول العربية الرئيسية والقادرة على لعب دور في مستقبل المنطقة اما ضعيفة وتعاني واما تحت هيمنتها (مصر والعراق وسوريا والسعودية).
بقيت ثلاث دول قوية اقليمية في المنطقة ايران وتركيا واسرائيل. والثلاث تحكمها مؤسسات وقيادة جماعية وليس افراد كما حال العرب.
اسرائيل محسومة للغرب كما بينا اعلاه.
ايران تعرف انها كي تلعب دورا كقوة اقليمية مقررة امامها عدة عوائق أهمها اسرائيل وتركيا.
لا تستطيع منافسة اسرائيل بالتحالف مع الغرب والحصول على حصتها. ومن هنا ينبع عدائها مع اسرائيل لانها تعرف ان استراتيجيتها يجب ان تكون تحجيم وإضعاف اسرائيل اذا لم تستطع ازالتها.
اما تركيا فتتفوق عليها في العلاقة التاريخية وفي المذهب السني ولديها قوة فروع التنظيم الدولي للاخوان المسلمين في الدول العربية. وكذلك علاقتها مع الغرب ومع اسرائيل وعضويتها في حلف الناتو وموقعها الجغرافي.
تركيا ترى انها الاقدر من ايران واسرائيل على لعب دور القوة الاقليمية وتضع استراتيجيات بناء على هذا الفهم وتقيم علاقات مع الجميع بما في ذلك اسرائيل لتحقيق اهدافها بعيدة المدى.
اسرائيل تعرف نفسها وجوهرها ولكنها غير راضية على الاستمرار كمجرد قاعدة عسكرية واداة للامبريالية الغربية وتضع استراتيجيات تؤهلها لتصبح شريكا في القرار في النظام الدولي. لذلك تسعى اولا للتخلص من الشعب الفلسطيني والسيطرة على كل فلسطين والتوسع في اراضي الدول المحيطة ومد نفوذها الى باقي دول المنطقة. وتحجيم ايران واضعافها وتقاسم النفوذ مع تركيا. تمهيدا للمستقبل الذي ترى نفسها فيه جزء اساسيا من النظام الامبريالي العالمي شبيها بالدول الاوروبية. لكن العوائق امامها كثيرة وكبيرة، والصهيونية العالمية تعرف ذلك. الصهيونية اليهودية العالمية تعتبر نفسها جزء من الصهيونية المسيحية الاوسع والاكبر. وتعتبر انها من مكونات الامبريالية العالمية ولها حصتها. وتنظر لاسرائيل كأحد مشاريعها في المنطقة، وستبقى كذلك ولا توجد امكانية لديها مستقبلا لتصبح اكثر من ذلك كونها دولة غير طبيعية ولن يأتي وقت تكون فيه مقبولة من شعوب المنطقة. وجرائمها الوحشية في العام الاخير التي فاقت كل التصورات ستزيد من عدم تقبلها بل وعزلها في الاقليم والعالم.
خطة الدول الغربية في المنطقة
كيف تعاملت وتتعامل الدول الغربية مع هذه المشاكل والتحديات التي تواجه هيمنتها على المنطقة
الشعوب التي تطمح للتغيير والتحرر
القوى الاقليمية ايران وتركيا واسرائيل
استباق التغيير بمساعدة تركيا واسرائيل من خلال ما اسمته الفوضى الخلاقة واضعاف بنى الدول الاقتصادية والاجتماعية وتقسيم المقسم وتنصيب حكام جدد تحت هيمنتها. استغلت نقمة الشعوب على حكامهم الدمويين الطغاة وزرعت الفتن العرقية والطائفية والمذهبية.
نجحت في تونس ومصر والعراق وليبيا وسوريا.
وستستكمل تقسيم المقسم. وخطتها ان تقسم العراق وسوريا والسعودية ومصر الى دول طائفية. وهذا من ناحية اخرى يصب في مصلحة اسرائيل كمبرر لها كدولة دينية كغيرها في المنطقة.
اما بالنسبة للدول الاقليمية
تحييد تركيا والاتفاق معها على مصالحها في العراق وسوريا مقابل عدم اعاقة مخططاتهم في المنطقة وعدم التعرض لاسرائيل.
تحجيم ايران في حدودها والقضاء على مراكز قوتها الممتدة في دول عربية.
تقوية اسرائيل وتوسيعها واجبار الانظمة العربية على اقامة علاقات معها واعتبارها جزء من المنطقة تكون يدها هي العليا لتساعد الدول الغربية وعلى رأسها امريكا في بسط هيمنتها الكاملة على المنطقة. وابقائها كقاعدة عسكرية واداة ثابتة على مستوى المنطقة.
كل هذا جعل النظام الامبريالي يسيطر على العالم ولكنه لن يدوم الى الابد فهو بطبيعته يبقي الاقلية من الطبقة البرجوازية العليا تتحكم في الخيرات وتطغى على الاغلبية الافقر. وهذا يزيد وحشية باستمرار مما يسرع في التغيير.
الامبراطوريات تاريخيا تنهار من الداخل وهذا ما سيحصل لهذا النظام مع تزايد وعي الشعوب للتحرر ومع اتساع حركات العدالة الاجتماعية الاقتصادية.
اسباب ضعف الشعوب العربية وما المطلوب لتستطيع التحكم بمصيرها والتخلص من هيمنة الاستعمار المباشر وغير المباشر.
شعوبنا بقيت لقرون تحت الحكم الصليبي الاوروبي والحكم التركي العثماني وتبعه الاوروبي والامريكي مما ادى الى التجهيل والامية والانقطاع عن التطور الحضاري المتسارع. وهذا ادى الى عدم اكتمال الانتقال من المجتمع القبلي وما يحكمه من علاقات، الى شعوب معاصرة كما حال دول العالم المعاصر.
في الدول المعاصرة ينظم العقد الاجتماعي العلاقة في الدولة بين المواطن والحكومة وبين المواطنين انفسهم . والمواطنين هم افراد الشعب امام القانون تجمعهم جنسيتهم في الدولة مع احتفاظ كل منهم بدينه ولغته. اي ان ما يشكل الشعب انتمائه لبلده، بحيث يعمل كل الشعب انطلاقا من خندق واحد بعيدا عما يفرقهم. للحفاظ على امنهم القومي ومصالح بلدهم ودولتهم.
اكتمال تبلور الشعب يفرض معه ثقافة التفكير في المستقبل والتخطيط له وفهم فلسفة الحياة وانتشار ثقافة الوحدة في وجه اطماع الاعداء.
وهنا السؤال الرئيسي هل نستطيع ذلك؟!
خاصة وان كل اعدائنا يعملون لمنعنا من التقدم.
هل تفهم قياداتنا ومثقفينا واحزابنا والمؤثرون فينا كل ذلك؟!
ام سنستمر في القفز في الهواء والسقوط؟!
Add new comment